قصة هابل..الجزء الثاني..المشروع الحلم يرى النور أخيرا



السلام عليكم ورحمة الله وربركاته...

 مرحبا بكم أعزائي المتابعين في الجزء الثاني من سلسلة قصة هابل ،والتي تطرقنا في جزئها الأول إلى أسباب ودوافع صنع التلسكوب الفضائي هابل وكذا أبرز المحطات التي خاضها المشروع في بدايته ،و اليوم سنستعرض معكم سوية باقي القصة والتي تحمل عديد الأسرار حول هذا الموضوع.

 مراحل التصنيع :

حالما تمَّت الموافقة على المشروع ووصل التمويل قُسِّم العمل عليه بين العديد من المؤسسات بعدما تم اختيار خمسة فائزين، عندها وحدت الجامعات، والمتعاقدون ومراكز ناسا جهودهم، فقد أُعطيت المسؤولية عن تصميم وتطوير وبناء المرصد وأنظمته لمركز مارشال لبعثات الفضاء بينما أُعطي مركز غودارد لرحلات الفضاء تصميم الأجهزة العلمية وتطويرها وبنائها، كما أن لديه التحكم الكامل بمركز المراقبة الأرضية لهذا المشروع وكلف مركز مارشال شركة البصريات بيركن-إلمر لتصميم وبناء تركيب المرايا ومجسات التوجيه الحسَّاسة لمرصد الفضاء، أما شركة لوكهيد لبناء الطائرات والصواريخ فقد كُلفت ببناء ودمج المركبة الفضائية التي سوف تحمل المرصد الفضائي.

المجمع المقرابي البصري:

ينتمي هابل إلى نوع من التلسكوبات يُعرف بعاكس كاسيغرين (Cassegrain reflectorوهو من صُنع ريتشي كريتيان وهي شركة مُتخصصة في صُنع مقاريب المراصد،حيث يقوم الضوء بصدم المرآة الرئيسية، أو الأولية، ليرتد الضوء بعدها عن هذه المرآة الأولية، ويواجه المرآة الثانوية ومن ثم تقوم المرآة الثانوية بتركيز الضوء عبر ثقب موجود في مركز المرآة الأولية يؤدي إلى الأجهزة العلمية للتلسكوب.
كان من المقرر أن يُستخدم المرصد الفضائي لرصد الضوء المرئي مروراً بالأشعة فوق البنفسجية (أطوال موجية أقصر)، وأن تكون مواصفاته محدودة الحيود (تعطي أعلى قيمة استبانة للصورة)، من أجل الاستفادة الكاملة من بيئة الفضاء الخارجي لذلك فقد كانت المرآة في حاجة إلى صقل لتصل دقتها إلى 10 نانومتر. 

صورة توضح طريقة انعكاس الضوء في مقراب كاسيغرين العاكس.
صَقل المرآة الرَّئيسيَّة لمرصدِ هَابل في مَصنَعِ بيركن إلمر. 1 مارس 1979







فنيُّون وهُم يُعاينون مرآه هابل الرئيسيَّة، 1982
 عزمت شركة بيركن إلمر في صنعها للمرآة على استخدام تقنية متطورة للغاية مسيّرة بواسطة الحاسوب لصقل المرآة إلى الشكل المطلوب من أجل المرقاب ومع ذلك طالبت ناسا من بيركن إلمر أن تتعاقد مع كوداك لتصنع مرآة احتياطية باستخدام تقنيات تقليدية لصقل المرآة لاحتمالية وجود عيب فيها،مرآة كوداك الاحتياطية هي الآن معروضة بشكل دائم في متحف الطيران والفضاء الوطني بالولايات المتحدة،ومرآة آيتك التي بُنيت هي الآن مُستخدمة في مقراب طوله 2.4 متر موجود في مرصد ماغدالينا ريدج.
بدأت شركة بيركن إلمر العمل على المرآة في عام 1979،وبدأت بأن أخذت زجاجًا تمدده فائق الصغر - يُحافظ عليه عند درجة حرارة الغرفة دوماً لتجنب الانحناء،استمر صقل المرآة إلى شهر مايو 1981،لكن وسبب قلة المال أضطرت ناسا لإيقاف العمل على المرآة الاحتياطية وحددت موعد الإطلاق للمرصد ليكون في أكتوبر 1984.
نقص الميزانية وعدم التقيد بالجدول الزمني الذي حُدِّد لهذا المشروع تسبب في تأخير بناء بقية المجمع المقرابي البصري،ومع حلول عام 1985 كان العمل الذي أنجزته لوكهيد للمركبة الفضائية قد زاد من حجم الميزانية إلى 30٪ ومتأخرة بثلاثة أشهر،لكن بعد بضع تأجيلات، تمت جدولة عملية إقلاع هابل إلى الفضاء في أكتوبر من عام 1986، لكن في 28 يناير 1986 انفجر المكوك الفضائي تشالنجر بعد ثلاثة وسبعون ثانية فقط من إقلاعه الحادث الذي أودى بحياة جميع طاقم المكوك والبالغ عددهم سبعة أشخاص، فتوقفت عمليات طيران المكوك بعد هذا لمدة سنتين تم خلالها نقل الأجزاء التي تم الانتهاء من تصنيعها إلى المخزن كما استمر العاملون على مشروع هابل في تحسينه، حيث قاموا بتطوير البطاريات الشمسية وتحديث أجهزة أخرى.

مَكُوك الفَضَاء ديسكفري:

التَّحدي الهندسي الآخر هو المركبة الفضائية التي ستحمل على متنها مرصد هابل وأجهزته الأخرى،إذ سيتعين عليها تجاوز عقبة المرور لعدة مرات من مناطق معرضة لأشعة الشمس المباشرة إلى الظلام الآتي من ظل الأرض؛ وهذه مشكلة كبيرة ستسبب تباينات كبيرة في درجة الحرارة، في حين ينبغي على المركبة أن تكون مستقرّة بما فيه الكفاية للسماح بتوجيه المقراب الفضائي بشكل دقيق، يحافظ غطاء العزل متعدد الطبقات على استقرار درجة الحرارة للمقراب، وهو أيضًا يحيط بهيكل الألومنيوم الذي يحتوي بداخله على المقراب والأجهزة العلمية الأخرى.

 لحظة الصفر:

 
STS-31 هي المُهَمَّة الخَامِسَة والثَّلاثين من مهمَّات وكَالة الفَضَاء الأمريكيَّة وفي هذه المهمَّة يَقُومُ مَكُوك الفَضَاء ديسكفري بحمل مرصد هَابل الفَضَائي إلى المدار. 24 أبريل 1990..

في 24 أبريل 1990، أقلع هابل أخيرا نحو مداره على متن المكوك الفضائي ديسكفري. كما حمل التلسكوب خمسة أجهزة علمية وهي: الكاميرا الكوكبية واسعة المجار، ومحلل غودارد الطيفي عالي الدقة، وكاميرا الأجسام الخافتة، و كذا المحلل الطيفي للأجسام الخافتة، والمضواء عالي السرعة.

ميزانية المشروع:

بلغت تقديرات تكلفة المشرُوع الأوَّلية 400 مليون دُولار؛ ولكنَّ بناء هذا المرصد قد كلَّف فعلياً 4.7 مليار دُولار، مُتجاوزًا ميزانيته السَّابقة بأضعافٍ كثيرة،تشير التقديرات بشكل مستمر أنَّ تكاليف مشرُوع مرصد هابل الفضائي قد ارتفعت بأضعافٍ أكثر من ذلك لتصل التَّكلفة التَّقريبيَّة إلى 10 مليار دُولار في عام 2010. 
 
مقراب هابل وقد تمَّ تجميعه في مصنع لوكهيد، ويظهر في الصورة طوله وحجمه بالنسبة للإنسان. التُقطت الصورة في بداية عام 1985.

  وصول أولى الأخبار السيئة:

 بعد أسابيع من إطلاقه، لاحظ العُلماء أَنَّ الصُّور التي يُرسلُها المرصد ليست بتلك الجودة على الرُّغم من وُضُوحها، وهذه المُشكلة قد أشارت إلى وُجُود عيب في النِّظام البَصَري. على الرغم من أنَّ الصُّور الأُولى بدت أَكثر وُضوحًا من تلك التي تلتقطُها المراصد الأَرضيَّة، إلا أن هابل فشل في التقاط صُور ذات جودة عالية وتركيز واضح، عكس ما كان ينتظره عُلماء الفلك.
أظهرت تحاليل الصُّور الخاطئة أَنَّ سببُ المُشكلة هُو وُجُود عيب في صقل المرآة الأوَّليَّة للمقراب بالرغم من صقل المرآة الرئيسية لهابل بحذر فائق على مدار سنة كاملة، ومع ذلك طرأ عيب يُعرف بـ "الانحراف الكروي"، كان الشكل خاطئ قليلا، مما يُسبب قيام الضوء بالارتداد عن مركز المرآة ليتركز في مكانٍ آخر وهذه الكمية كانت أقل من الضوء المرتد عن الحافة، و قد كان هذا الخلل الصغير –حوالي جزء من خمسين من سماكة ورقة – كافياً من أجل تشويه المشهد.
 كان هذا الخلل في المرآة واضحاً ومتكرراً، بشكل تمكَّن فيه عُلماء الفلك من التَّعويض الجُزئي للانحراف عن طريق استخدام تقنيَّات مُعالجة الصُّور المُتطوِّرة مثْل إزالة الالتفاف،استغرق وُجُود هذا الانحراف 3 سنوات قبل أن تُقرَّر وكالة ناسا إرسال بعثة لإصلاحه في الثاني من شهر ديسمبر عام 1993

كان لدى العلماء والمهندسين حل فقد كان يُمكن استخدام سلسلة من المرايا الصغيرة من أجل إيقاف الضوء المنعكس عن المرآة وتصليح العيب، وبالتالي العودة بالضوء إلى الأجهزة العلمية للتلسكوب، كما يُمكن تركيب بديل تصحيحي محوري وبصري على متن تلسكوب الفضاء، المسمى اختصارا COSTAR، في موقع أحد الأجهزة العلمية الأخرى للتلسكوب من أجل تصحيح الصور المنتجة من قبل الأجهزة المتبقية والمستقبلية. كما وجب رواد الفضاء أيضا حينها استبدال الكاميرا الكوكبية واسعة المجال بالنسخة المطورة منها، المعروفة بالكاميرا الكوكبية واسعة المجال 2 ( اختصارا WFPC2)، والتي تحتوي على مرايا صغيرة من أجل تصحيح الانحراف، لقد كانت هذه أول الأجهزة العلمية في هابل التي تم بناؤها بالاعتماد على بصريات تصحيحية.

مهمات الصيانة:

بعد اكتشاف مُشكلة الانحراف الكروي في المرآة احتلَّت بعثة الإصلاح الأُولى للمقراب أهمية كبيرة حيثُ دُرِّب سبعة من رُوَّاد الفضاء لهذه البعثة على مئة أداة مُتخصِّصة في الأَرض قبل الانطلاق من أجل إصلاح المقراب في المدار الخارجي.
في 2 ديسمبر 1993، حمل مكوك الفضاء انديفور بعثة الصيانة إلى المدار في مهمة تضمنت خمسة أيام من المسير الفضائي وعمليات الإصلاح،والتي بدأت بمُناورات فضائية من أجل استرجاع المرصد عن طريق ذراع مكُوك التَّحكُّم عن بُعد (SRMS)، يُعرف أيضًا بمُسمَّى آخر1 Canadarm، بعدها قامت البعثة بإزالة المضواء عالي السرعة واستبدلته بـ COSTAR،  واستبدال الكاميرا الكوكبية واسعة المجال بالنسخة الأحدث WFPC1، كما أجرى الطاقم مهمات خدمة أخرى، حيث استبدلوا ألواحا شمسية، ووصلات كهربائية، ومعدات أخرى. بحلول 9 ديسمبر، كان الفريق قد أنهى العمل.
Canadarm 1 (على اليمين) خلال مُهمَّته الفَضَائية (STS-72)

أعلنت ناسا في 13 يناير 1994 عن نجاح بعثتها، وكانت أُولى الصُّور المُرسلة أكثر وضُوحًا ودقَّة من ذي قبل،كانت هذه البعثة في ذلك الوقت من أكثر البعثات تعقيدًا بسبب النشاط خارج المركبة الفضائية، والذي أجري خمس مرَّات على فترات مطولة للقيام بإصلاحات المرصد في المدار الجوِّي للأرض، كان للنَّجاح الكبير للبعثة إيجابياته لوكالة الفضاء الأمريكية ورُوَّادها مع تطويره ليُصبح أقوى ممَّا كان عليه.


المجرَّة اللَّولبيَّة M100، صورة التقطها مرصد هابل وهنا مُقارنَة لدقَّة الصُّورة قبل وبعد تَصحيح البصريَّات.

بعد ذلك، تمت صيانة وإصلاح تلسكوب هابل بضعة مرات، ففي فبراير 1997، قام رواد الفضاء باستبدال محلل غودارد الطيفي عالي الدقة والمحلل الطيفي للأجسام الخافتة بأجهزة مطورة، وهي المقياس الطيفي للأجسام المضاعفة وكاميرا الأشعة القريبة من تحت الأحمر، والمحلل الطيفي لصور التلسكوب الفضائي.
مقراب هابل كما يُرى من مكُوك ديسكفري بعد ثوانٍ من بدءِ مُهِمَّتِه، فبراير 1997
 أما في ديسمبر 1999، قام رواد الفضاء باستبدال المرسل، والجيروسكوبات الست الموجودة على متن هابل، وواحد من حساسات التوجيه الدقيقة الثلاثة، مما سمح بتوجيه التلسكوب بشكل أدق والحفاظ على استقرار هابل أثناء العمليات.
إستَبدِال الجيرُوسكُوبات في بعثَةِ الخِدمَة الثَّالثَة-أ SM3A

أما في فبراير 2002، أضاف رواد الفضاء الكاميرا الاستقصائية المتقدمة (ACS)، أول الأجهزة العلمية التي تمَّ تركيبها على متن هابل منذ عام 1997. كما ضاعفت ACS من حقل رؤية هابل، وذلك باستخدام كاشف أكثر حساسية من WFPC2 بكثيرK في كل مرة كان رواد الفضاء يجرون فيها مهمة خدمة، كانوا يجرون أيضا وبشكلٍ روتيني أعمال صيانة –يُصلحون الألواح الشمسية والأغطية الحرارية ويُحدثون المعدات.
 
كاميرا الأجسام الخافتة لوضع الكاميرا الاستقصائيَّة المُتقدمة بدلًا منها. 7 مارس 2002.
إذا فقد كانت هذه مجموعة من مراحل حياة أهم وأشهر تلسكوب فضائي،وحتى لا نطيل عليكم سنضرب لكم موعدا مع اخر فصول حكايتنا المشوقة والتي سنستعرض من خلاله إن شاء الله تفاصيل اخر عمليات الصيانة وقرارات ناسا الحاسمة بشأن نهاية عهد المرصد الأسطورة،وكذا إعدادها لخليفة هابل والمزيد ترقبوه في اخر أجزاء هذه السلسة فكونوا في الموعد.

 






هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتابة تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

كافة الحقوق محفوظة 2016 © مدونة موسوعة العلوم والتكنولوجيا